فصل: مسألة يشترون الثمرة في رؤوس النخيل فباع بعضهم قبل أن يقتسموها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الأناذر أفيها شفعة:

وسئل سحنون عن الأناذر أفيها شفعة؟ قال: لا تكون فيها شفعة، قال: وكذلك الأفنية لا شفعة فيها إذا بيعت والأناذز عندي مثل الأفنية.
قال محمد بن رشد: إنما لم يريد سحنون في الأناذر شفعة لأن من مذهبه أن الشفعة لا تكون إلا فيما يحكم بقسمته والأنذر عنده لا يحكم بقسمته لأنه لا ينقسم إلا بضرر لأنه إذا قسم بطل أن يكون أنذرا فلم ينتفع به في ذلك، فالشفعة فيها واجبة على من يرى قسمتها ولا يراعي الضرر على ذلك وهو مذهب مالك لقول الله تعالى: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] وعلى مذهب من يرى الشفعة فيما لا يحكم بقسمته من الأصول إذا كان لا ينقسم إلا بضرر، وهو قول ابن القاسم في المدونة خلاف قوله في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب السداد والأنهار، وقد قيل: إن الشفعة واجبة فيما لا ينقسم بحال كالنخلة والشجرة بين النفر لأنها من جنس ما ينقسم.
فيتحصل في ذلك في المذهب ثلاثة: أقوال أحدها أن الشفعة واجبة في الأصول كلها كانت مما ينقسم أو مما لا ينقسم، وهو مذهب مطرف، والثاني أنها لا تجب إلا فيما ينقسم ويحكم بقسمته، وهو قول ابن القاسم في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب السداد والأنهار، والثالث أنها تجب فيما ينقسم وإن كان لا يحكم بقسمته للضرر الواقع في ذلك، وقد مضى ذكره والاختلاف فيه في رسم المكاتب من الكتاب المذكور.
وأما قوله: وكذلك الأفنية لا شفعة فيها إذا بيعت فمعناه في الفناء المشترك بين القوم كساحة الدار بين الشركاء إذا اقتسموا البيوت لأن حكمها حكم الأناذر في القسمة لها وفي جواز البيع فيها وفي وجوب الانتفاع بجميعها لمن احتاج من الشركاء إليها دون من لم يحتج إليها منهم، وأما الأفنية المتصلة بطرق المسلمين فلا يجوز بيعها ولا اقتطاعها وإنما يجوز الانتفاع بها وكراؤها إذا لم يضر ذلك بالمارة في الطريق المتصلة بها والله الموفق.

.مسألة الأنذر الذي يدرس فيه الزرع هل فيه شفعة:

من سماع عبد الملك بن الحسن قال عبد الملك: وسألت عبد الله بن وهب عن الأنذر الذي يدرس فيه الزرع هل فيه شفعة؟ فإنه قد اختلف عندنا فيه وهل يحوز الأب على ابنه الصغير في حجره صدقة عليه بالأنذر أو لا يكون الأنذر للصغير بالصدقة حتى يبرأ منه كحال المسكن الذي يسكنه الأب حتى يموت عنه فلا يمضي صدقته فهل الأنذر بسبيل ذلك إذا كان الأب يدرس فيه حتى يموت، فقال: إن كنت إنما تعني نفقة الأنذر من الأرض فنعم فيه الشفعة لا شك فيه، وهو بمنزلة غيره من البقاع والأرضين بمنزلة عراص الدور المهدومة وغير المبنية.
وحوز الأب لابنه الصغير حوز إذا تصدق عليه وأعلن الصدقة وأظهرها بمنزلة غيرها من الأشياء والأرضين والمساكن إلا أن يكون الأب يعمل فيها لنفسه وماله بحال ما كان من الصدقة فلا أرى ذلك شيئا إن كان كذلك، وقال أشهب: الشفعة فيه كان أنذرا أو غير أنذر كان قليلا أو كثيرا إذا كان ملكا لهم.
وأما ما ذكرت من حوز الأب على ابنه الأنذر فإن ذلك ليس بحوز حتى يبرأ منه كحال المسكن إن درس فيه أو انتفع به الأب حتى مات فلا شيء للابن فيه.
قال محمد بن رشد: قول ابن وهب وأشهب في أن الشفعة يجب في الأنذر الذي يدرس فيه الزرع خلاف قول سحنون المتقدم قبل هذا في آخر سماعه، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك فلا معنى لإعادته، وأما قولهما في صدقة الأب به على ابنه الصغير إن ذلك بمنزلة الدار تبطل الصدقة به إن درس فيه بعد الصدقة كما كان يدرس فيه قبل الصدقة بمنزلة المسكن فهو خلاف مذهب ابن القاسم وما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ من أن ما عدا المسكون والملبوس لا يبطل صدقة الأب به على ابنه الصغير انتفاعه به بعد الصدقة وإن حرث الأرض واختدم العبيد وأكرى الحوانيت واغتل ماله غلة من الأصول، بخلاف ما سكن أو لبس، وقع بيان مذهب ابن القاسم في ذلك في رسم شهد من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات، وحكاه ابن حبيب أيضا عنه من رواية أصبغ، جلوسه في الحانوت للتجر كسكناه الدار، بخلاف كرائه إياه، وقول ابن وهب وأشهب هذا مثل ظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة من رواية مطرف عن مالك في تفسير قول عثمان بن عفان إن نحلة الأب لابنه الصغير جائزة إذا أشهد عليها وأعلن بها وإن وليها أن معنى ذلك أن يليها بالتثمير والتوفير، فعلى هذا لا فرق بين الملبوس والمسكون وما سواه من الأشياء تبطل الصدقة بانتفاع الأب به فيتفق في المسكون والملبوس ويختلف فيما عداه على هذين القولين، أحدهما أن الإشهاد والإعلان يكفي وإن انتفع الأب بذلك بعد الصدقة كما كان ينتفع به قبل الصدقة إلى أن مات كالمسكون والملبوس سواء، وفي المسألة قول ثالث وقع لأصبغ في نوازله من كتاب الصدقات والهبات أن الصدقة لا تبطل إذا كان الانتفاع ممزوجا مرة ينتفع الأب ومرة ينتفع الابن وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى نصف دار بمائة دينار ولؤلؤة ثم جاء الشفيع يريد أن يأخذ:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن رجل اشترى نصف دار بمائة دينار ولؤلؤة ثم جاء الشفيع يريد أن يأخذ، قال: يصف المشتري اللؤلؤة ويحلف على صفتها ثم تقوم إلا أن يشهد الذين باعوه أن قيمة اللؤلؤة كذا وكذا فيكون القول قول ما شهدوا به، فإن لم يعلموا قيمتها وفاتت ونكل المشتري عن صفتها وعن اليمين وصفها الشفيع وحلف على الصفة وكان القول قوله فإن لم يعلم الشفيع صفتها كانت له الدار بقيمتها نقدا.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة ونكل المشتري عن صفتها وعن اليمين معناه أنه قال: لا أعرف صفتها فلا أحلف فهاهنا يكون ما قال من أن الشفيع يحلف على ما يدعي من الصفة إن عرف صفتها، فإن لم يعرف صفتها كانت له الدار بقيمتها نقدا، وقوله كانت له الدار بقيمتها نقدا معناه كانت له الشفعة في الدار بقيمة نصفها نقدا يريد ما لم تكن القيمة أقل من المائة دينار فلا ينقص من المائة دينار، وقد قيل: إنه لا يمين عليه إذا أتى بما يشبه، وأما إن ادعيا جميعا معرفة صفتها ونكلا عن اليمين فالقول قول المشتري لأنه هو المبدأ باليمين على حكم المدعي والمدعى عليه إذا نكلا عن اليمين كان القول قول المدعى عليه، ولو حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف، وهذا إذا أتيا جميعا من صفتها بما يشبه، كان الشفيع أو المشتري فإن نكل عن اليمين كان القول قول الذي أتى منهما بما يشبه، لأنه هو المبدأ باليمين ولو أتيا جميعا من الصفة بما لا يشبه لوجب أن يحلفا جميعا فإن حلفا أو نكلا كانت له الشفعة بقيمة الحظ نقدا ما لم تكن أقل من المائة فلا ينقص من المائة، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما وإن أتى بما لا يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه من دعواه بنكوله.
فالمسألة لا تخلو من أربعة أوجه أحدها أن يدعي كل واحد منهما من صفتها ما يشبه والثاني أن يدعي كل واحد منهما من صفتها ما لا يشبه والثالث أن يدعي أحدهما من صفتها ما يشبه والثاني ما لا يشبه والرابع ألا يدعي واحد منهما معرفة صفتها وفيما ذكرناه بيان الحكم في كل واحد منهما لمن تدبره وفهمه.
وفي قوله إلا أن يشهد الذين باعوا أن قيمة اللؤلؤة كذا وكذا فيكون القول ما شهدوا به نظر، إذ ليس على عمومه في كل موضع وإنما معناه في الموضع الذي تكون شهادتهم لا منفعة لهم فيها بل قد يضرهم فيما يرجع به عليهم إن استحق المبيع أو بعضه، وأما في الموضع الذي تكون شهادتهم فيه للشفيع على المشتري فلا يجوز لأنهم يتهمون على تقليل الثمن إن جاء استحقاق.
وقوله: إن المشتري يصف اللؤلؤة ابتداء ويحلف على صفتها أصح مما وقع من قوله في المدونة من أنه لا يقال للمشتري صف العرض الذي وقع به البيع إلا بعد أن يدعيا جميعا من قيمته ما لا يشبه، وظاهر قوله فيها أنه إذا ادعيا جميعا من قيمة ما لا يشبه كان القول قول المشتري فيما ادعاه من الصفة وإن لم يشبه، وذلك بعيد لا يصح أن يكون القول قول من أتى منهما بما لا يشبه إذا كذبه الآخر وادعى ما يشبه، وإنما يصح ذلك إذا لم يكذبه صاحبه وقال: لا أدري وبالله التوفيق.

.مسألة باع رجل بيتا فيه رحا فأراد الشفيع أن يأخذ ذلك بالشفعة:

وقال: ليس في رحا شفعة لا رحا الماء ولا رحا الدواب، وأما البيت الذي فيه الرحا وجدراته وسقفه وأرضه ففيه الشفعة، قال: ولو باع رجل بيتا فيه رحا فأراد الشفيع أن يأخذ ذلك بالشفعة فإنه يقوم البيت ويقوم الرحا بأداتها فيفض الثمن عليها، فما صار على البيت من القيمة من الثمن أخذ البيت بالشفعة بالذي يقع عليه من الثمن بالقيمة وهو بمنزلة ما لو باع رجل دابة ودارا فإنما يأخذ بالشفعة في الدار ولا شفعة في الدابة بمنزلة ما فسرت لك في الرحا.
قال محمد بن رشد: قوله أنه لا شفعة في الرحا إذا بيعت مع الأصل خلاف ما مضى من قوله في رسم العتق من سماع عيسى في رقيق الحائط يباعون مع الحائط، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته.

.مسألة باع دارا بعشرة دنانير فباع المشتري مصراعي الدار بعشرة ثم جاء الشفيع:

قال ابن القاسم في رجل باع دارا بعشرة دنانير فباع المشتري مصراعي الدار بعشرة، ثم جاء الشفيع، فقال: يقوم المصرعان ويقوم الدار ثم يفض الثمن عليهما فما وقع على الدار من الثمن أخذها بالشفعة ولا شيء له في المصراعين لأنهما قد فاتا بالبيع.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة معلوم، ولفظه فيها فاسد معلول؛ لأنه قال: إنه باع الدار بعشرة دنانير فباع المشتري المصراعين بعشرة دنانير، ثم جاء الشفيع، وإذا بيعت الدار كلها فلا شفعة فيها فالمعنى الذي أراد والله أعلم أنه ابتاع الدار ثم أتى رجل فاستحق بعضها وأراد أخذ بقيتها بالشفعة، فقال: إنه يقوم المصراعان وتقوم الدار فيفض الثمن عليهما فما وقع على الدار من الثمن أخذها بالشفعة يريد أخذ منها الحظ المستشفع بما ينوبه من الثمن بالشفعة، وقوله: ولا شيء له في المصراعين لأنهما قد فاتا بالبيع، يريد لا شيء له فيما ناب الجزء المستحق منهما فللشفيع أن يأخذه بالاستحقاق لا اختلاف في ذلك، وإن شاء أن يجيز البيع ويأخذ الثمن فله ذلك، وهذا كله بَيِّنٌ وَالمِصراعان البابان.
وقوله: ولا شيء له في المصراعين لأنهما قد فاتا بالبيع خلافُ ما نص عليه في المدونة من أن نقض الدار إذَا هَدَمَهُ المشتري فباعه لا يفوت بالبيع وللشفيع أن يأخذ بالشفعة من يد مشتريه من المشتري، وهذا الاختلاف جَارٍ على اختلافهم في الشفعة هل يحكم لها بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق؟ فعلى القول بأنه يحكم لها بحكم البيع تفوت الأنقاض بالبيع ويأخذ الشفيع البقعة بما ينوبها من الثمن، وعلى القول بأنه يحكم لها بحكم الاِستحقاق لا تفوت الأنقاض بالبيع ويأخذها الشفيع من يد المشتري بالشفعة ويرجع المشتري على الذي باعه إياها بالثمن الذي دفع إليه فيها، وإن شاء أن يجيز البيع ويأخذ الثمن كان ذلك له، وفي المدونة أيضاً ما يدل على فواتها بالبيع.
واختلف إذا فاتت إما بالبيع على هذه الرواية، وإما بفوات عينها بعد البيع على ما نص عليه في المدونة، فقيل في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها وهو قوله في المدونة وفي هذه الرواية إنه يأخذ البقعة بما ينوبها من الثمن، ووجه العمل في ذلك أن تقوم البقعة مهدومة والنقض مطروحاً بها يوم وقعت الصفقة، ثم ينظر ما يقع للنقض من الجميع، فإن كان الثلث مثل أن يكون قيمته مقلوعاً مطروحاً بالأرض مائة وقيمة البقعة مهدومة مائتين، قيل للشفيع إن: شئت أن تأخذ البقعة بالشفعة فخذها بثلثي الثمن كان أقل من قيمة البقعة أو أكثر إن كان الثمن ثلاثمائة وستين أخذها بالشفعة بمائتين وأربعين، وإن كان الثمن مائتين وأربعين أخذ الشفيع البقعة بالشفعة بمائة وستين، وهذا القول على قياس القول بأنه يحكم للأخذ بالشفعة بحكم البيع، والقول الثاني أنه يأخذ البقعة والثمن الذي باع به الأنقاض كان أقل من قيمته أو أكثر، ويؤدي جميع الثمن فإن كان ثمن الأنقاض من جنس الثمن الذي اشترى به المشتري النقض قَاصهُ منه بثمن النقض. ودفع إليه البقية، والقول الثالث أنه ليس للشفيع إِلَّا الأقل من قيمة النقض أو الثمن الذي بيع به، وهو اختيار محمد بن المواز، وهذان القولان على قياس القول بأنه يحكم للأخذ بالشفعة بحكم الاستحقاق، وقد رأيت لسحنون أنه قال في هذه المسألة: لمالك ثلاثة أقوال، وقد قِسْتُهَا فلم يعتدد عندي منها شيء، وأشهب يقول فيها أيضاً قولاً وفيها تنازع شديد، ولا أذكر في وقتي هذا قول أشهب، ويحتمل أن يريد سحنون أن النقض تفوت بالهدم، وهذا الذي يأتي في المسألة على حقيقة القياس بأن الأخذ بالشفعة بيع من البيوع وباللَّه التوفيق.

.مسألة يشترون الثمرة في رؤوس النخيل فباع بعضهم قبل أن يقتسموها:

وسئل عن القوم يشترون الثمرة في رؤوس النخيل فباع بعضهم قبل أن يقتسموها هل لشركائه الشفعة أيضاً أم لا؟ أو يكونوا شركاء في الزرع فباع بعضُهم بعد ما حَلَّ بيعُ الزرع هل فيه شفعة؟ وفي المقاتي والبقول كلها أو ما تنبته الأرضُ هل فيه شفعة أو جَائِحَةٌ؟. قال: قال مالك في الثمرة في النخل والعنب وما أشبهها من الأصول: لشركائه فيه شفعة إذا باع أحد منهم، والمساقاة كذلك، وقال لي مالك في الزرع: لا شفعة فيه، قال: وقال مالك: والجوائح توضع في هذه كلها الثلث فصاعداً إلَّا الزرع فإنه لا جائحة فيه وذلك أنه إنما يباع بعدما يَيْبَسُ.
قال محمد بن رشد: المشهور من الأقوال في الثمرة أن فيها الشفعة ما لم تَيْبَسْ وقد قيل: إن الشفعة فيها وإن يبست ما لم تُجَد حسبما ذكرناه في أول مسألة من سماع عيسى، والمشهور في الزرع أنه لا شفعة فيه، ويتخرج وجوبُ الشفعة فيه وإن يَبِس ما لم يحصد، وعلى قياس القول بوجوب الشفعة في الثمرة ما لم تجد، وهو ظاهر قوله في أول رسم من سماع أشهب إن الشفعة في الأرض وفي كل ما أنبتت الأرض.
وأما البقول فالمنصوص أنه لا شفعة فيها ويتخرج وجوب الشفعة، فيها أيضاً على قياس القول بوجوب الشفعة في الثمرة ما لم تجد وفي الزرع ما لم يُحصد وعلى ظاهر ما في سماع أشهب أيضاً من قوله: إن الشفعة في الأرض وفي كل ما أنبتت الأرض، وقد مضى قولنا في آخر أول رسم من سماع أشهب وفي أول رسم من سماع عيسى ما فيه بيان لهذا.
وأما الجائحة فلا اختلاف في وجوب وَضْعِهَا في البيع إذا بيعت بعد أن أزهت وقبل أن تَيْبَسَ أو يَحِينَ جَدَادُهَا واختلف في وجوب وضعها في الشفعة على الاختلاف في الآخذ بالشفعة هل يحكم له بحكم البيع أو بِحكم الاِستحقاق حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع عيسى، واختلف في وجوب وضعها في البيع إذا بيعت وأجيحَتْ بعد أن يبست وَحَانَ جَدَادُهَا واختلف على القَوْل بأنها توضع في البيع هل توضع في الشفعة أم لا؟. على الاختلاف الذي ذكرناه في الآخذ بالشفعة هل يحكم له بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق.
وحكمُ البقول في وجوب وضع الجائحة فيها في البيع حكمُ الزرع إذ لا يباع حتى يَيْبَسَ ويمكن حصاده، وحكمُ الثمرة إذا بيعت وأجِيحَتْ بعد تناهي طيبها وإمكان جدادها قيل: إنها توضع وقيل: إنها لا توضع، وفي البقول قولٌ ثالث: إنه يوضع فيها القليلُ والكثيرُ، واختلف أيضاً على القول بأنها توضع في البيع هل توضع في الشفعة أم لا على الاِختلاف الذي ذكرناه في الآخذ بالشفعة هل يحكم له بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق وباللَّه التوفيق.

.مسألة الغائب إذا كان له شفعة فقدم من سفره:

وقال أشهب في الغائب إذا كان له شفعة فقدم من سفره: إن له أجل سنة من حين يقدم في آخرها وكذلك الصغير أيضاً له سنة من يوم يبلغ.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يعتبر بمدة مغيب الشفيع ولا بمدة صغره وبلوغه ومِلْكِه أمرَ نفسه إذا كان صغيراً أو مولى عليه، وقد مضى الاِختلاف في حد المدة التي تنقطع فيها شفعة الحاضر المالك لنفسه في رسم البز من سماع ابن القاسم فلا معنى لِإعادته وباللَّه التوفيق.

.مسألة الشفعة متى حد انقطاعها للحاضر:

قال أصبغ بن الفرج: سئل أشهبُ عن الشفعة متى حَدُّ انقطاعها للحاضر؟ فقال: إذا كان مشتريها يعالج فيها شيئاً هدماً أو مرمة أو ما أشبه ذلك فلا أراها إلا وستنقطع قبلَ السنة، وإن لم يكن كذلك فسنة، قال أصبغ: ما أحسنها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم البز من سماع ابن القاسم فلا معنى لِإعادته وباللَّه التوفيق.

.مسألة البقول هل فيها شفعة:

قال أبو زيد: وقال ابن القاسم في البقول: لا أرى فيها شفعة والمقاتي فإني أراها بمنزلة الأصول فيها الشفعة لأنها ثمرة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها قبل هذا فلا معنى لِإعادة شيء من ذلك وباللَّه التوفيق.
تم كتاب الشفعة من البيان والتحصيل بحمد اللَّه تعالى وحسن عونه وصلى اللَه وسلم على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.

.مسألة قسم حوائط النخل:

.كتاب القسمة والشفعة:

مِن سَمَاع ابنِ القَاسم مِن مَالِك روَايَة سَحْنُون مِن كِتَاب حَلَفَ لَيَرْفَعن أَمْراً إلى السُّلْطَانِ قال سحنون: أخبرني ابنُ القاسم عن مالك أنه قال في رجل هلك وترك نخلًا وترك عرقاً نحواً من خمسين عرقاً بخيبر ونحوها بواد القرى ومن ناحية الفرع ومن وراء المدينة إلى مكة نحو ذلك وفي ناحية الفرع مثلُ ذلك، وَيَقْسِمُ وَرَثَتُهُ على ثلاثة وعشرين سهماً، فقالوا: اقسموا كل أعرق على ناحيةٍ.
قال مالك: لا أرى ذلك لهم، كيف يأخذون نخلةً نخلةً؟! ورأى هذا وَجْهَ ضرورة، ولكن يُقسم ما بخيبر وواد القرى ومن ناحية الفرع، ويعدل في القسمة، وما كان من ناحية الفرع مثل ذلك، وما شابه وادي القرى وخيبر ثم يُقَوَّمُ ذلك ويقتسمونه، وتضم النواحي بعضها إلى بعض خيبر إلى واد القرى والفرع إلى ما كان من ناحيتها ولم يَرَهُ مثل القطع التي وصفتُ لك قبل ذلك.
قال محمد بن رشد: الحكمُ في قسم حَوَائِطِ النخل كالحكم في قسم الأرضين ما جاز من هذا قسمه بالسهمة جاز من هذا، وما لم يجز من هذا لم يجز من هذا، فإذا كانت الحوائط في موضع أو كانت قريبة بعضها من بعض مع استوائها في القرب من الحاضرة التي تعمر منها أو تشابهها في ذلك قسمت قسماً واحداً بالسهمة، وإن كان بعضها أقرب إلى الحاضرة بِيَسِيرٍ تخرج ذلك عندي على اختلافهم في جواز قسم الأرض بالسهمة إذا كان بعضها أكرم وأطيب من بعض؛ لأنها تتفق بالقرب كما تتفق بالكرم، فتختلف لذلك قيمتُها، وَحَد اليسير في ذلك الميل والميلان ونحو ذلك، وكذلك يختلف أيضاً في جواز قسمتها بالسهمة إذا بَعُدَ بعضها من بعض وهي على حد واحد في القرب من الحاضرة؛ لأن الأغراض تختلف في ذلك فتقسم قسماً واحداً على ما في كتاب القسمة من المدونة في الدارين أنها تقسم قسماً واحداً إذا استوت في النفاق وإن تباعدت في الموضع، ويأتي على ما في رسمِ الأقضية من سماع أشهب من هذا الكتاب في قسمة الدور أنها لا تقسم قسما واحدا إلا على التراضي، وأما إن كان بعضها أقرب إلى الحاضرة بكثير فلا تقسم قسماً واحداً بالسهمة لأنها لكثرة تباينها في القيمة كالصنفين، فقول مالك في هذه الرواية في الذي هلك وترك خمسين عرقاً بخيبر وخمسين عرقا بوادي القرى وخمسين في ناحية الفرع ويقسم ورثته على ثلاثة وعشرين سهماً لأن النواحي يضم بعضها إلى بعض فتقسم قسماً واحداً ولا يقسم نخل كل ناحية على حدة لأنه ضرر من أجل أنه لا يصير لكل واحد منهم إن قسموا كل عرق على حدة إلا نخلة نخلة، يريد إن دَعَا إلى ذلك بعضُ الأشراك لأن معنى قوله فقالوا: اقسموا كل أعرق على حدة أي فقال بعضهم ذلك إذ لو قال ذلك جميعُهم واتفقوا عليه لجاز على التراضي ولم يكن فيه كلام، فقول مالك في هذه المسألة يأتي مثل قول عيسى بن دينار في رسم حَمَلَ صبيا على دابة من سماع عيسى في الأرض الكريمة والدنِيّة: إن الكريمة تقسم على حدة والدنية على حدة وإن كانت كل واحدة منهما تحتمل أن تقسم على حدة.
ويأتي في المسألة ثلاثةُ أقوال: أحدها أنها لا تقسم إلا على حدة، فإن لم تقسم على حدة بيعت على حدة وقسم الثمن بينهم إلا أن يتفقوا على قسمتها على التراضي بغير سهمه والثاني أنها تجمع في القسم وإن كانت تحتمل أن تقسم كل واحدة منهما على حدة والثالث الفرق بين أن تحتمل أن تقسم كل واحدة منهما على حدة أو لا تحتمل وهو قولُ مالك في هذه الرواية وقولُ عيسى بن دينارِ الذي ذكرته في مسألة الأرض الكريمة والدنية، وقول مالك في آخر المسألة وَلَمْ يره مثل القطع التي وصفت لك قبل ذلك يريد والله أعلم ولم يَرَ هذه الأعراق اليسيرة في كل ناحية التي لا تنقسم على سهام الورثة كالقطع الكثيرة التي تنقسم عليها.
ويتخرج في صفة قسمها بالسهمة فيما يقسم منها بالسهمة ثلاثة أقوال أحدها أنها تقسم قسماً واحداً من حيث تنتهي إليه سهامهم التي تنقسم منها وإن كان سهمُ أقلهم نصيباً ينتهي إلى عشرة أسهم أو أكثر، ثم يقرع بينهم إما على طرف بعد طرف، وإما على طرفين بعد طرفين فمن خرج سهمه على طرف ضم إليه بقية حقه منه وهو مذهب ابن القاسم في المدونة والثاني أنها تقسم على سهم أقلهم نصيباً فيسهم له على طرفين، فيأخذ سهمه حيث خرج له، ثم يقسم الباقي أيضاً على من بقي على سهم أقلِّهم نصيباً مما بقي إلى آخرهم، وهو الذي يأتي على قول مالك في المدونة، وذلك يتبين بالتنزيل، مثال ذلك أن تموت امرأة وتترك زوجاً وأماً وابناً وابنة فللأم السدس، وللابنة السدس وسدس السدس وللزوج السدس ونصف السدس وهو الربع، وللِابن السدسان وثلث السدس وهي تنقسم من ستة وثلاثين سهماً، وترك أربعة حوائط تنقسم الحوائط الأربعة على مذهب ابن القاسم ستة وثلاثين قسماً ثم يقرع بينهم إما على طرف بعد طرف وإما على الطرفين فمن خرج سهمه في طرف ضم إليه بقية حظه فيه وتنقسم الحوائط على مذهب مالك أَولا أسداساً لأن سهم الأم أقل الأنصباء، فتأخذ سدسها في طرف من الأطراف بالسهمة، ثم تخلف الخمسة الأقسام الباقية فتقسم ثلاثين نصيباً، تأخذ الاِبنة منها سبعة أنصباء بالقرعة؛ لأن حقها من الثلاثين الباقية بعد نصيب الأم سبعة، ويأخذ الزوجِ منها تسعة أجزاء بالقرعة لأن حقه منها تسعة ويأخذ الاِبن منها أربعة عشر جزءا منها لأن حقه منها أربعة عشر جزءا، والقول الثالث ذهب إليه ابن حبيب وهو أن تقوم الحوائط كلها حائطا حائطا فيعرف حق كان وارث من جملة القيمة، ثم يسهم بينهم، فمن خرج سهمه على حائط منها وفي قيمته وفاءٌ من حقه أخذه ولم يكن له سواه ومن خرج سهمه على حائط منها وقيمته أكثر من حقه كان له منه بقدر حقه، ومن خرج سهمُه على حائط وقيمته أقل من حقه كان له جميعه وأَكْمِل له بقية حقه في أقرب الحوائط إليه مثَال ذلك أن يكون قيمة أحد الحوائط ستة، والثاني تسعة، والثالث سبعة، والربع أربعة عشر، فإن خرج سهم الأم على الحائط الذي قيمته ستة، وسهم الزوج على الحائط الذي قيمته تسعة، وسهم الاِبنة على الحائط الذي قيمته سبعة وسهم الِابن على الحائط الذي قيمته أربعة عشر انفصلوا وانفرد كل واحد منهم بالحائط الذي خرج إليه بالسهم، وإن خرج سهم الزوج على الحائط الذي قيمته ستة أخذه وبقية حقه من أقرب الحوائط إليه، فإن كان أقرب الحوائط إليه الحائط الذي قوم بستة كان له نصفه وإن كان أقرب الحوائط إليه الحائط الذي قوم بتسعة كان له منه ثلثه وإن كان أقرب الحوائط إليه الحائط الذي قوم بسبعة كان له منه ثلاثة أسباعه، وإن كان أقرب الحوائط إليه الحائط الذي قوم بأربعة عشر، كان له منه سبعة ونصف سبعة ثم يضرب لمن بقي من الورثة بالسهام على ما بقي من الحوائط فإن خرج سهم الأم على الحائط الذي قيمته تسعة كان لها منه ثلثاه مع الزوج إن كان أخذ منه ثلثه أو مع من يخرج له السهم عليه بعد ذلك إن كان لم يأخذ الزوج منه شيئاً، فإن خرج سهمها على الحائط الذي قيمته سبعة كان لها ستة أسباعه مع من يخرج له السهم عليه بعد ذلك إن كان لم يأخذ الزوج منه شيئاً، وإن كان الزوج قد أخذ منه ثلاثة أسباعه كان لها بقيته وبقية حقها من أقرب الحوائط إليه على ما تقدم إلى أن ينقضي الاستهام بينهم في ذلك، وهو قول بعيد في النظر؛ لأن الأمر قد يؤول بينهم على القول إلى ألا ينفصل جميعهم عن الشركة أو إلى ألاَّ ينفصل عنها واحد منهم، وَقَوْلُ مالك في تكرير القسمة مرة بعد أخرى تعب وعناء، فقول ابن القاسم أصح في النظر وأولى والله الموفق.

.مسألة جعل الذين يحبسون مع القاضي ويقتسمون الدور في جعائلهم:

وسئل مالك عن جُعْل الذين يحبسون مع القاضي ويقتسمون الدور في جَعَائِلهم فكرهه، وضرب لذلك وجها وقال قد كان خارجة ابن زيد ومجاهدٌ يقسمان ولا يأخذان شيئاً يعني مع القضاء، قال ابن القاسم: وذلك رأي وأرى أن ينظر الوالي في ذلك إلى رجل ممن يحتاج الناس إليه في ذلك فَيُجْرِي عليه عطاءً مع الناس كما يُجريه على الغزاة ومن يحتاج إليه في أمر المسلمين ويحبسه عليهم مثل القاضي وشبهه.
قال محمد بن رشد: هذا مثلُ ما في المدونة من كراهية أَرْزاق قسام القاضي، ووجه الكراهية في ذلك أن القاضي هو الحاكم بذلك على اليَتِيم باجتهاده فلعله لو كان مالكاً لأمره واحْتاج إلى القسمة لَوَجَدَ من يستأجره على ذلك بأقل مما جعله القاضي عليه، وكذلك إذا تحاكم عليه القوم واختصموا عنده في القسمة فقضي بها بينهم وأمر القاسمَ بذلك وجعل له الأجرة عليهم باجتهاده يكره له أخذُ ذلك إذ لعلهم لا يرضون بذلك المقدار الذي جعله له علمهم، وإن رضي بذلك المحكومُ له لا يرضي به المحكوم عليه، ولعلهم لا يرضون به قاسماً بينهم، وكذلك قال مالك في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب الأقضية لمن سأله في هذا المعنى من القضاء: وليكن من شَأْنِكَ أن تدعو الورثة فتأمرهم يرتضون رجلًا، فإذا ارتضوه وَلَّيْتَه أمرهم يحسب بينهم، فإني قد رأيت بعض من عندنا يفعل ذلك، فهذا كله بَيِّن في أن الأولى والأحسن لِقُسَّام القاضي أن يتنزهوا ويتورعوا عن أخذ الجعل على ما يأمرهم به القاضي من القسمة؛ كما كان يفعل خارجة بن زيد ومجاهد، ومن هذا المعنى جعل الشرط على الناس فيما يبعثون فيه من أمرهم، وقد مضى ذلك في رسم طلق من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، وأما إذا استأجر القومُ قاسماً يقسم بينهم فلا كراهية في ذلك، وكذلك قال في المدونة. وكذلك أيضاً لا يكره أخذُ ما جعله له الإِمام من بيت المال على ذلك؛ لأن هذا وشبهه مما يحتاج إليه المسلمون ويعمهم نفعه فعلى الإمام أن يرزقهم من بيت مالهم، وبالله التوفيق.